ندوة دوليّة حول "الأنوار الغربيّة ومصادرها الخارجيّة"
16-15 نوفمبر 2019

لا يمكن أن يحدث الشيء من اللاشيء، التقدّم البشري لا يمكن أن يكون خطيا، جاءت حركة التنوير بقيم مثيرة للجدل حتى في موطن  الأنوار، هنالك من يعتقد أن الكوارث مصدرها هذه الأنوار، للعرب والمسلمين إسهامات في الحركة التنويريّة الغربيّة وإن تحفّظ بعضهم على هذا الموقف . .  بهذه العبارات المكثّفة وذات النزعة الإشكاليّة، افتتح الدكتور عبد المجيد الشرفي رئيس المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة”  ندوة علميّة دولية،  نظّمها المجمع يومي 15- 16 نوفمبر بالتعاون مع الجمعية التونسيّة للبحوث في الأنوار، وجمعية الدراسات الفكريّة والاجتماعيّة، ومؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث . تضمّنت الجلسات العلميّة مداخلات لأكاديميين وباحثين تونسيين، إلى جانب بعض المفكرين العرب والغربيين، واهتمّت جل المداخلات بمفاهيم الحداثة والتحديث، والصيرورة التاريخيّة لمقاصد الحركة التنويريّة الغربيّة، فهل هي حركة مكتفية بذاتها؟ و ما مدى مشروعية الانطلاق من الصفر من أجل فهم التاريخ التنويري وفقا للسؤال الفلسفي الإشكالي الذي أثاره الأستاذ نادر الحمامي رئيس جمعية الدراسات الفكريّة والاجتماعيّة في كلمته، ممهّدا لفعاليات الندوة بأسئلة حول مسيرة الفكر التنويري الغربي،  وإسهامات  المفكرين والفلاسفة العرب والمسلمين  .

 فقد نكون على صواب لو اختزلنا أسئلة كافّة الجلسات العلميّة على امتداد يومين في الأسئلة التاليّة:  ما طبيعة جغرافيا التنوير هل هي مغلقة أم مفتوحة بالضرورة؟ هل يمكن أن نمنح الفكر التنويري جنسيّة محدّدة  كأن نقول إنّه أوروبي بالمعنى المحض؟ ما مدى وجاهة تمكينه من شهادة ميلاد أي هل يمكن إعلان تاريخ نشأته على نحو صارم؟ من يمتلك مشروعيّة تقديم نفسه على أنّه الأب الشرعي لهذا المولود؟  هل يحقّ للبعض احتكار الإرث التنويري؟ هل تستقيم القطيعة الإيبستيمولوجيّة الانفصاليّة؟ أليست كل قطيعة اتصاليّة بالضرورة؟  فكّك كل محاضر تفاصيل هذه القضايا معتمدا المراجع والوقائع المدعّمة لأطروحته، مثل مداخلة الباحث المصري أشرف منصور   حول الأصول الرشديّة للتنوير الأوروبي، حيث أكّد المحاضر على القيمة الكونيّة لفلسفة ابن رشد، التي اعتبرها الفيلسوف والعالم الألماني Leibniz “سبينوزية (سبينوزا) قبل الأوان” نظرا إلى نزعتها العقلانية، والفكر التنويري عقلاني أو لا يكون . كما أبرز الأستاذ أشرف منصور اعتماد عديد المدارس الأوروبيّة على قراءات وتفسيرات ابن رشد للفلسفة الإغريقيّة عموما والأرسطيّة خصوصا، مستشهدا في هذا السياق بالملك لويس الحادي عشر “الذي نصح سنة 1473 باعتماد قراءة ابن رشد من أجل فهم الفلسفة اليونانيّة”، ولتوضيح قيمة النزعة العقلانيّة في الفكر الرشدي واعتراف الفلاسفة والمفكرين الغربيين بذلك، ذكّر المحاضر بمضامين كتاب “ابن رشد والرشدية” للمؤرّخ والفيلسوف الفرنسي Ernest Renan . فلم تكن الرشديّة برأيه إرهاصات فلسفيّة بل مدرسة أسّست للنزعة الطبيعيّة تأكيدا لاستقلال الطبيعة بقوانينها الخاصة، معتمدة مفاهيم الحتميّة ونظرية وحدة العقل، وأولويّة العقل على الشريعة، لذلك ترجمت مؤلفات ابن رشد وانتشر فكره العقلاني في مجتمع أوربي  “تطّلع نخبه على فلسفة أرسطو بفكر رشديّ” . وفي نفس السياق المؤكّد على المساهمات الكبرى للفلاسفة والعلماء العرب والمسلمين في مسار التنوير العالمي، قدّمت الأستاذة ناجية الوريمي مداخلة حول ابن خلدون والأنوار ، فالإسهامات العلميّة والفكريّة الخلدونيّة برأيها ليست تضخيما عربيا أو مجرّد مقاربات لأعلام فكريّة تدعي كونيّة الفكر الخلدوني، بل لقّبه بعضهم بأوغست كونت العرب، ومونتسكيو العرب إلخ . . فهو المؤسّس الفعلي لعلم الاجتماع  برأي عديد السوسيولوجيين الغربيين، وهو من المؤسسين الأوائل لمفاهيم علمنة التاريخ .  لنستنتج مما تقدّم لماذا يشدّد بول ريكور على ضرورة الكشف عن إسهامات القدامى ولماذا يؤكّد تودوروف على أن الأنوار سابقة للقرن الثامن عشر . وقد وردت كل هذه الاعترافات  في مداخلات عديد الأكاديميين الأوربيين مثل الأستاذة الفرنسيّة باسكال بلران، التي اهتمت في مداخلتها بانبهار الكتّاب التنويريين الأوربيين بإبداعات عربيّة وبثراء لغة الضاد، مركّزة أساسا على فولتير المغرم بشعريّة لغة العرب . وكذلك الشأن بالنسبة إلى مداخلة الأستاذ بجامعة Montpellier  فرانك سالون في مداخلته الداحضة لأطروحة “التنوير غربي خالص” بناء على حجم الإضافات المعرفيّة والعلميّة والفنيّة لهذا المشروع التنويري، وهو ما يعترف به  كبار الفلاسفة مثل الفيلسوف الألماني هيقل، وتغنّى به أبرز الشعراء على غرار “غوتة” . وعليه لابد من تنسيب المفاهيم، فالعالميّة الأوروبيّة ” التي تغنى بها الأوربيون لدرجة التمركز على الذات المضخمة، ورفض الآخرين واحتقار منجزاتهم ” هي جزء من “أوهام العقل الأنواري” حسب مداخلة الباحث التونسي مصطفى بن تمسك .

فلم ولن تكون المشاريع التحديثيّة والتنويريّة هويات مغلقة وسياقات زمنيّة محدّدة، إنها القيم الكونيّة المطردة، التي تتكلّم مفردات المعاجم المتنوّعة وتتغذى من فاكهة جنان الجميع .

البرنامج

Pin It on Pinterest

Agence de création site web en Tunisie

2019 © Beit al Hikma