محاضرة:
الروحانيّة البوذيّة:
طرق الوعي بالزّمن واليقظة بالوجود
للأستاذة سارة الجويني حافيز
10 ماي 2022

 يهتمّ قسم الدراسات الإسلاميّة بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة” منذ الموسم الأكاديمي السابق بدراسة الظاهرة الروحانيّة في السياقات الفكريّة والدينيّة المختلفة عبر تنظيمه سلسلة ندوات، ولقاءات، ومحاضرات تتضمّن مقاربات مجمعيين، وأكاديميين من دول مختلفة وباحثين مهتمين بالقضايا الروحانيّة المتنوّعة. وفي هذا الإطار قدّمت مؤخّرا الأستاذة سارة الجويني حافيز محاضرة بعنوان “الروحانيّة البوذيّة: طرق الوعي بالزّمن  واليقظة بالوجود” متناولة قضايا الزمن في الفلسفة البوذيّة وتحديدا الزمن الدائري لدى البوذيين، وجدليّة الحياة والموت المتمثّلة في آليّة حلول الروح ما بعد الموت في أجساد جديدة عبر التناسخ. كما ركّزت في محاضرتها على مسألة “التدرّج من الأرذل إلى الأفضل في التجربة الصوفية عموما لأنّ طقوس الديانة البوذيّة تتنزّل وفقا لمقاربتها ضمن “التراث الروحي المشترك” الذي تتقاطع فيه مفاهيم الفناء، والزهد، والاستغراق في تأمّل المطلق من أجل بلوغ “أعلى درجات الصفاء الروحي” أو ما يعبّر عنه بمرتبة اليقظة والصحوة.

وتقترب البوذيّة حسب الأستاذة سارة الجويني حافيز من المسيحيّة في “مستوى العمل التبشيري” وتتّسم طقوسها بممارسات التفكّر والخلوة والتنعّم بسعادة الخلاص “النيرفاني” كما تتميّز أدبيات الروحانيّة البوذيّة في رأي المحاضرة بالتشديد على الارتباط الوثيق بين الوعي بالزمن واليقظة الأنطولوجيّة، ممّا يفسّر حتميّة فهم طقوس البوذي ضمن هذه الخلفيّة الفلسفيّة الوجوديّة، فالذات البشريّة سائرة بطبعها نحو الفناء لذلك يعمل البوذي على تدمير مركزيّة الذات.

تلك هي الإشكاليّات التي خاض في تفاصيلها اللقاء الذي أشرف على فعاليّاته رئيس القسم المنظّم الأستاذ احميدة النيفر، وركّز فيه جل المتدخّلين على أهميّة دراسة جميع التجارب الروحيّة من أجل رصد المشترك بين القيم التراثيّة الكونيّة، وفي هذا السياق أشار المجمعي النيفر إلى أنّ قسم الدراسات الإسلاميّة سينظّم يوم 31 ماي محاضرة حول التصوّف الشيعي.

الملخّص:

لاشكّ أنّ الديانة البوذية تنتمي إلى ذلك التراث الرّوحي المشترك من حيث تقاطع مداليلها والوعي بأسرار الوجود انطلاقا من الشّخصيّة المحوريّة الملهمة ” بوذا قوتاما ” واستلامه مقاليد التّأمل في ظلّ شجرة البو ” التين ” حيث تستقرّ مفردات التّفكّر والخلوة وما يستتبع ذلك من تذوّق سعادة الخلاص ” النيرفاني ” وفي الأدبيّات البوذيّة انضاج لنظرة الإنسان بما هو كائن متحوّل يعتريه الفناء خاصّة وأنّ تعاليمه تشي بتآلف الأرواح والتحامها الزّمني المؤقت ، وقد أكّد بوذا أو المستنير أنّ الجسد لا يمتلك الروح وإنّما ينشأ من سلسلة متّصلة هي علّة الوجود والفناء .
يعمل البوذي على تدمير النّظرة المتمركزة حول الذّات ويستغرق في الملأ ويتمثّل معنى الهيوليّ الذّي نطقت به الحكمة الصّوفيّة القريبة من توجه ” البوذيفستا ” ورغبته في تحطيم قيود الشهوة والدّخول في حالة الغبطة أو بمعنى إفناء الوجود في وجود آخر والوصول إلى أعلى درجات الصّفاء الروّحي أو ما يطلق عليه بمرتبة اليقظة والصّحوة والتّخلي .
تشهد البوذيّة اليوم انتشارا من حيث تميّزها بذلك التّأمل الدوري اليوغي على الرّغم من توغّلها في التّاريخ وفعل التّاريخ فيها ، وعليه يمكن أن نسلّط على هذه الدّيانة الغارقة في القدم بعض القراءات الأنثروبولوجيّة والسيميائيّة من حيث مباشرتها للفعل الطّقسي داخل الفضاء الروحي المرمّز .
يبقى لفلسفات الدّين عموما طرقها في تطارح أسئلة الوجود والعدم الفراغ والمكان والزمان على ضوء ملحمة الهند الكبرى [ المهابهاراتا ] وما تضمّنه الفكر الدّيني البوذي خاصّة من ضرورة الوعي بالزّمن واليقظة بالوجود ، يمكن أن نتفسّح كثيرا في هذه المخاطبات الروحيّة ونؤثث بها محاضرات تتعقّب ما تقوم عليه من ضبط النّفس واستقصاء أغوارها .

Pin It on Pinterest

Agence de création site web en Tunisie

2019 © Beit al Hikma