“يعرض ويناقش ويفتح لقرائه بابا أو أبوابا من التفكير ..سعى إلى أن تكون مواقفه موضوعيّة قدر الإمكان، وخلت من المماحكة كما خلت من التمجيد” كذا هو الكاتب المنصف بن عبد الجليل في كتابه “من اللحظات التأسيسيّة في الإسلام” كما ورد في تقديم الدكتور عبد المجيد الشرفي. وصدر الكتاب مؤخّرا ضمن منشورات الموسم الأكاديمي الحالي للمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة” بعد أن نشرت طبعته الأولى أكاديميّة المملكة المغربيّة سنة 2022.
ويتطرّق فيه المؤلّف، المهتم في أعماله الفكريّة بالمشروع الحضاري العربي -الإسلامي وقضايا التحديث إلى لحظات تأسيسيّة في الفكر الإسلامي، اختزلها في “خمس لحظات”. وتتمثّل الأولى في “الوحي المحمّدي” بوصفه “حدثا موضوعه دعوة إلى توحيد المعبود” ولم يكن هذا الحدث وفقا للأستاذ المنصف بن عبد الجليل مماثلا لثورات زعماء القبائل، كما لا يتنزّل ضمن الحروب على “الممالك المتنافسة” لأنّه قضيّة عقائديّة وانتظام مجتمعي.
ويهتم في اللحظة الثانية بمسألة “تقعيد القرآن” وانتقال المصحف من طور ” المصحف الشخصي” إلى طور التأسيس لكيان “الدولة الناشئة”، وقد يستقيم القول طور التأسيس لنسيج مجتمعي يحكمه نظام قيمي شامل. وتتعلّق اللحظة الثالثة بإشكاليّة الفتوحات الإسلاميّة باعتبارها “حدثا تأسيسيّا في تاريخ المسلمين والتاريخ الإنسانيّ العامّ.. وباعتبارها منعطفا هامّا في تشكّل الإسلام خارج السّنن الثقافيّة التي نشأ فيها”. بالمعنى الوجيز تتناول هذه اللحظة الدعوة المحمّديّة من المحلّي إلى العالميّ. وتعتبر اللحظة الرابعة معرفيّة لأنّها متّصلة بقضايا الترجمة ونقل المعارف والآداب والقيّم المشكّلة للفكر الإسلامي. وتبحث الخامسة في “أقوم المسالك” و”أحكام الخلافة” وقضايا الإمامة، ويمكن ايجازها في عبارة تفاصيل الخلافة من التشكّل إلى الزوال.
تلك هي تأمّلات مفكّر منشغل في مشروعه المعرفيّ بتاريخ الفكر العربي-الإسلامي وقضايا التحديث، هاجسه فهم “ما مضى” والتفكير في صلة الراهن بذاك الذي مضى، لذلك تتنزّل أعماله الفكريّة ضمن المشاريع التأسيسيّة، لنستخلص التناغم بين عنوان كتابه وهويّة أطروحاته
المواكبة الإعلاميّة
