
الملخص
ينسب فهرس مكتبة رقادة بالقيروان هذه المخطوطات الثلاث إلى الأسدية التي تُعدّ منطلقا لمدوّنة سحنون بن سعيد في الفقه المالكي. أخذ عدد من الباحثين بهذه النسبة، بينما شكّ فيها آخرون مثل محمد البهلي النيال الذي أفترض نسبة أحدها إلى كتاب الأصل لمحمد بن الحسن الشيباني. أيده في هذا الرأي ميكلوش موراني وانتهى إلى القول بأنّ هذا الافتراض يحتاج إلى تثبت. وهنا أتى دورنا للتثبت من ذلك، كان ذلك عن طريق تحقيق تلك المخطوطات ونشرها. واستنتجنا في الأخير أنها فعلا تابعة لكتاب الأصل، وأنها تخص الفقه الحنفي وليس الفقه المالكي، فهي رواية أسد بن الفرات لكتاب الأصل عن محمد بن الحسن الشيباني، أحد أصحاب أبي حنيفة المساهمين في تأسيس المذهب الحنفي وتدوينه.
على أن كتاب الأصل تمّ تحقيقه ونشره سنة 2012. والسؤال المطروح: هل فقدت تلك المخطوطات شيئا من أهميتها؟ في الحقيقة، العكس هو الصحيح. فهذه المخطوطات فريدة من نوعها، بل إنّها تتجاوز في قيمتها الأسدية ذاتها التي لم تصلنا. تعود هذه المخطوطات إلى القرن 3هـ/9 م، في حين أن كتاب الأصل المنشور اعتمد فيه مُحققُه على مخطوطات متأخرة، يعود أقدمها إلى القرن 7هـ/13 م. وهنا تصادفنا نظرية نورمان كالدار الذي شكّ في صحّة نسبة أمهات الفقه الإسلامي، في نصها النهائي، إلى مؤلّفيها المعروفين، مثل موطأ مالك، ومدونة سحنون، ورسالة الشافعي، والأمّ لنفس الإمام، وكتاب الأصل للشيباني. ففي نظره، خضعت تلك الكتب لتحويرات هامّة، وأُدخلت عليها إضافات معتبرة مثل الأحاديث النبوية، حتى تكتسب أكثر قداسة. قام بهذا العمل عدد من الفقهاء على امتداد فترة طويلة، ثمّ نسبوا تلك الكتب إلى هؤلاء الأئمة، حتى تكتسب أكثر مصداقية. ولاختبار تلك النظرية التي أخذ بها عدد من الباحثين، قمنا بمقارنة مخطوطاتنا بالنص المنشور من كتاب الأصل. فتبين أن كتاب الأصل هو فعلا من تأليف الشيباني، مع حضور بعض الفوارق الجزئية التي تخصّ مثلا وجود بعض أخطاء لغوية في مخطوطاتنا، بخلاف كتاب الأصل المنشور الذي كُتب بلغة سليمة، أو غياب بعض صيغ التقديس لله (مثل عبارة تعالى) في مخطوطاتنا، بخلاف ما هو عليه الأمر في كتاب الأصل المنشور. فهذه الإضافات هي مؤكدا متأخرة، لكنها لا تمسّ في شيء جوهر أمّهات الفقه التي لم تكن إذن نتيجة لتأليف جماعي. كل هذا يبين مدى أهمية الكنوز التي تحتوي عليها مكتبة رقادة بالقيروان.
نجم الدين الهنتاتي
